Titre

ولدت سهام طاهري وتربت و تعيش و تشتغل بفاس، موطن  العمق الثقافي و التاريخي للمغرب، كمجال مفعم بكل شروط الالهام الروحي و الجمالي. منذنعومة اظافرها أبانت سهام طاهري، مثل كل فتيات الأسر الفاسية العريقة، عن ميل ومهارة فريدة للأعمال الفنية اليدوية كالطرز و الخياطة و الحياكة... لتعبر بكل عفوية في مرحلة المراهقة إلى الفنون التشكيلية و بالخصوص الرسم على الحرير، وانتجت اعمالا نالت اعجابا قلما تحقق لفتاة في سنه.

نالت سهام طاهري شهادة الباكلوريا في سن السابعة عشرة، و كان طموحها أن تتابع دراسات أكاديمية في الفنون الجميلة، إلا أن النقص الشديد الذي تعاني منه مدينة فاس في هذا المجال، حتم عليها أن تتوجه نحو تكوين علمي و طبي، توجته بنيل شهادة الدكتوراه في البيولوجيا المجهرية. تقول سهام طاهري في هذا الشأن: " لقد مكنتني البيولوجيا المجهرية من رؤية الحياة من زاوية اللامتناه في الصغر، و إدراك تفاصيل الروعة و الجمال التيأودعها الله في الحياة و العالم المحيط بنا"

بعد سنوات من الاشتغال في المجال الطبي و الصيدلي، و التفرغ للحياة العائلية، عاودها داء عشق للفنون الجميلة في الظهور، و بدأت الأعراض الأولى ببحوث مكثفة و تجارب طويلة لتنمية المهارات الذاتية  في تطويع المواد و ترويض الأشكال و تملك التقنيات و الأساليب و اللعب الشغوف بالظلال و الأضواء.اختبرت سهام طاهري بكل عفوية و عصامية جميع المسالك التشكيلية و الوسائل المتاحة و انتهى بها الحال الى عشق التعبير الزيتي و الأسلوب التصويري كمنهج خاص بها.

من حيث الموضوعات اشتغلت سهام طاهري على المناظر الطبيعية، و الطبيعة الجامدة أو الميتة، لتقتحم بعد ذلك مرحلة تجريبية تصويرية من خلال تتبع تفاصيل المشاهد الهندسية للمدينة القديمة بفاس بفسيفسائها و تعقيدات تفاصيلها المعمارية. و لم تخطأ سهام طاهري لحظة في لعبها الشغوف بالألوان في تدرجها و فروقها الدقيقة، و لا في العمق و الأبعادالهندسية، و لا في جدلية الظل و الضوء المركبة في مشاهد دروب المدينةالقديمة.  بعد مرحلة التجريب، مثل كل فنان عصامي، جاءت مرحلة النضج في أعمال سهام طاهري تحت عنوان: " إعادة الاعتبارللمرأة المغربية" بعيدا عن كل نزعة استعراضية أو فلكلورية شرقية، و بعيدا عن كل توظيف ايديولوجي و أخلاقي لوضع المرأة المغربية، سواء كانت شروط معيشها اليوميمريحة أو صعبة.

القناعة الثقافية التي تؤطر الفلسفة التشكيلية لسهام طاهري هي بكل بساطة و عمق" بإمكان النساء المغربيات المساهمة في بناء تراكم تشكيلي و جمالي مغربي معاصر يزاوج بين الانفتاح على التقنيات و المدارس الحديثة و الوفاء للعمق التاريخي و الثقافي للمغرب".

من خلال تتبعي النقدي للمسيرة الابداعية لسهام الطاهري، استطيع الجزم بأنها واحدة من الفنانات المغربيات اللواتي استطعن بفعل حدسهن القوي و ذكاءهن في التعامل مع المواد والموضوعات و المدارس التشكيلية أن يتملكن اسلوبا تعبيريا يمكنهن من رسم تفاصيل وعيهن العميق و المرح بأنوثتهن.

إن أعمال سهام الطاهري تعكس بكل تناغم ذاتها كامرأة، و خبرتها الأكاديمية كمختصة في البيولوجيا المجهرية، و كبنت وفية لمدينة فاس. فتجد في كل عمل لها الشروط الكاملة لنضج منهجي"ظاهراتي جماليPhénoménologie esthétique " يقدم لك المشاهدكما تلتقطها عينها، و كما يدركها حسها الفني، مع تعليق الحكم، ليجد المتلقي لعملهاهوامش واسعة لتقدير موهبتها التقنية و تأويل رسالتها التعبيرية و هي الاحتفاءبالانتماء الى فاس العريقة، و تذوق التفاصيل التعبيرية البديعة التي تخطها فرشاةالفنانة، و احترام ملكات امرأة مرهفة الاحساس و ذكية الملاحظة.

سهام الطاهري واحدة من الفنانات المغربيات العصاميات، اشتغلت طويلا بعيدا عن الأضواء، و تخرجا ليوم في تجربة العرض و الالتقاء بالحمهور، و هي ميلاد اسم تشكيلي يعد بالكثير منالنضج و الاكتمال.

محمد سعد